الخميس، 12 أبريل 2012

عولمة العنف غير الرسمي: نظريات السياسة العالمية وليبرالية الخوف. روبرت كيوهان


  عولمة العنف غير الرسمي: نظريات السياسة العالمية وليبرالية الخوف.

روبرت كيوهان: أستاذ محاضر، علوم سياسية، جامعة الدّوق.

كان لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الـ و.م.أ نتائج لا تحصى ”لا يمكن التنبؤ بها” على السياسة الداخلية والشؤون العالمية، فتنبؤات موثوق بها حول هذه النتائج تبدو في حكم المستحيل، مع ذلك فربّما تكون جديرة بالاهتمام، حتى في هذه المرحلة المبكّرة، لتعكس ما الذّي تكشف عنه هذه الأعمال العميقة حول مدى ملائمة نظرياتها عن السياسة العالمية، وكيف تساعدنا افتراضاتنا ونماذجنا التحليلية على فهم هذه الأحداث والإجابة عنها، وبأي طريقة خُدعنا ظلّنا” بنظرياتنا ؟
        في هذا المقال القصير، سأحاول أن لا أكون شاملا، وعوضا عن ذلك سأركّز على المسائل المحدّدة وقد يحوي تعقيبي هذا  بعضا من القيم، من دون التجرّأ على القول بأن هذه هي المسائل الأكثر أهمية والتي يتعيّن مواجهتها وحلّها، فعلى سبيل المثال تكشف هجمات 11 سبتمبر أنّ كلّ التوجّهات النظرية للسياسة العالمية علمانية الطابع فيما يتعلق بالدافع ”المحفّز” وتتجاهل تأثير الدّين، على الرغم من أنّ الحركات السياسية التي تهزّ العالم غالبًا ما يُغذيها الحماس الدّيني، لا يأخذ أيّ منها بشكل جدّي رغبة الإنسان في الهيمنة ”السيطرة/السيادة”، أو كلّ من حقيقة القوة في التاريخ والتفكير الواقعي الكلاسيكي، يتّجه أغلبها إلى افتراض أنّ العالم يجري حسب ما يسميه جوزيف شومبيتر ”137 [1942] 1950” بـ: ”العقلانية و Unheroic” أعضاء البرجوازية. نحن بحاجة أيضًا بعد 11 سبتمبر إلى الاحتفاظ في أذهاننا بدافع حافز” آخر: الإيمان، كما أوضح أسامة بن لادن أنّ: ”الإرهاب ضدّ الكفّار سيضمن مكانًا عليّا في السماء ”الجنة” ”، هذا كما بدى لي من الدوافع الدينية في السياسة العالمية، وسأترك هذا الموضوع لمن هو أكثر مني كفاءة للتعرّض إليه.
        في الجزء القادم من هذا المقال سأعرّف عبارة ”عولمة العنف غير الرسمي” في إشارة لصنف عام من الفعل، وسأستبدل هذه العبارة بمصطلح ”الإرهاب”، نظرًا لما يحمله هذا المصطلح من دلالات سلبية والتي يصعب جدّا تعريفها و تحديدها” بتحليلات محايدة ومتماسكة على نحو يلقى قبولاً عامًا، حتى بالنسبة لمجلس الأمن الدولي الذّي اتّخذ قرارات ضدّ الإرهاب، لم يكن قادرًا على تحديد المصطلح، فكلّ طرف يبحث عن تعريف لأفعال عدوّه لكن ليس باعتباره كإرهابي. مع ذلك وبشكل متعمّد فقد استهدفت الهجمات المفاجئة المدنيين على نحو اعتباطي ، وعزمت و بأفعال واضحة على محاربة بقية الناس باعتبارهم إرهابيين لذلك كانت الهجمات على مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر أفعالاً إرهابية، وأنا ”أنسبها” إليهم على هذا النحو.
        تحتوي هذه الورقة على ثلاثة مواضيع: أوّلاً: أحداث 11 سبتمبر التي تُمثّل بشكل صارخ، كيف أنّ افتراضاتنا حول الأمن التي صوّرت ”فهمت” – على نحو متزايد – مشهد المجال ”النطاق/الحيّز” الجغرافي أنّه آيل إلى الزوال. ثانيا: تستطيع عولمة العنف غير الرّسمي أن تحلّل بواسطة اكتشاف أنماط الاعتماد المتبادل غير المتماثل ومضمونها للقوة. ثالثا: ”ردّ” الـ و.م.أ على الهجمات بشكل كبير وأثر ذلك على دور المؤسسات فوق القومية المعاصرة في السياسة العالمية.
        حجّتي هي أنّ توفّر لنا نظرياتنا، العناصر الأساسية المهمة من المفاهيم الكافية للسياسة العالمية بعد 11 سبتمبر لكنّنا في حاجة إلى تغيير بعض من افتراضاتنا على نحو يمكّننا من إعادة ترتيب هذه العناصر الأساسية في إطار نظري متغيّر، يعكس تأثير الدرجة الواسعة من العنف من قبل فاعلين غير دولاتيين ”غير الدولة”، بزوغ أنماط جديدة من الاعتماد المتبادل غير المتماثل، ويدعو للتساؤل حول بعض افتراضاتنا عن المجال ”النطاق” الجغرافي كحاجز ”مانع”، تكشف الإجابات عن هذه الأفعال عن أهمية المؤسسات الدولية مع استمرار الدور المركزي للدولة، بالتفكير في هذه المسائل، يستطيع دارس السياسة العالمية أن ينبّه بشكل مفيد إلى مفهوم ”جوديت شكلار” ”Judith N. Shklar” حول ”ليبرالية الخوف”  "the liberalism of fear"وحجّتها أنّ أكثر وظيفة أساسية لدولة ليبرالية هي حماية مواطنيها من الأعمال الوحشية المخيفة.



  1- عولمة العنف غير الرسمي وإعادة تعريف المجال:
   تدور مختلف تعريفات العولمة في العلوم الاجتماعية حول فكرة ارتباط النشاطات الإنسانية عبر الأقاليم والقارات على نحو متزايد مع بعضها البعض كنتيجة للتغيّر التكنولوجي والاجتماعي. العولمة تبعًا للمسائل التي سبق تحديدها  كحالة ارتباط العالم بشبكات من الاعتماد المتبادل القاري متعدّد الأبعاد، ارتبطت من خلال تدفّق رأس المال والسلع الإنتاجية المعلومات والأفكار، الأفراد والقوة، إضافة إلى المسائل ذات الارتباط البيئي والبيولوجي. ”كيوهان وناي: 2001”.
        في الوقت الذي كانت العالمية توصف فيه، بأنّها متعدّدة الأبعاد، بهذا المفهوم ، استطاع توسّع الإرهاب الكوني أن يكون مثالاً للعولمة. ”كيوهان وناي: 2001”، كثيرًا ما عرفت العالمية والعولمة ”Globalism and Globalization” باعتبارهما تكاملاً اقتصاديا على المستوى العالمي، ولكن مهما تمّ اللجوء إلى مثل هذه التعريفات: فإنّها آخذة بالتلاشي والاختفاء بشكل ثابت بعد الحادي عشر من سبتمبر، يمكن أن نأخذ ضمنيًا بأنّ عولمة العنف غير الرسمي، الذّي يستفيد من مميّزات تكنولوجيات الاتصال الحديثة، المواصلات، المتفجرات وربّما علم الأحياء ”البيولوجيا”، تهدّد بطريقة أو بأخرى، بإعاقة أو تخفيض مستوى العالمية، لكن كما هو الحال مع التكنولوجيا العسكرية فيما بين 1914 و 1945 فقد عزّزت عولمة العنف غير الرّسمي أحد أبعاد العالمية – الشبكات التي بواسطتها يُفهم تدفّق العنف – في الوقت الذّي من المحتمل أن تُضعف العالمية – بالموازاة مع ذلك – بقية الأبعاد، كالتبادل الاقتصادي والاجتماعي، وكما هو الحال في السابق، لا تسير كلّ مظاهر العولمة مع بعضها البعض جنبًا إلى جنب.
        أُعرّف العنف غير الرسمي بأنّه العنف الممارس من قبل الفاعلين غير الدولاتيين ”فاعلين غير الدولة”، يستفيد من السريّة وعنصر المفاجئة، ليحدث ضررًا كبيرًا، باستعمال قدرات مادية صغيرة، وهذا العنف يوصف بأنّه ”غير رسمي” لكونه لا يدبَّر من قبل مؤسسات الدولة الرسمية، وغالبا ما لا يعلن عنه مسبقًا، كما هو الحال مع إعلان الحرب. هذا العنف يصير معولمًا، عندما تعمل شبكات الفواعل غير الدولاتية استنادًا إلى قواعد عابرة للقارات، ذلك أنّ أعمال القوة في مجتمع ما يمكن أن تبدأ ويتحكّم فيها من نقاط جدُّ بعيدة من الأرض ”So that acts of force in one society can be initiated and controlled from very distant points of the globe”.
        إنّ تداعيات عولمة العنف غير الرسمي كانت عميقة بالنسبة للمفاهيم التقليدية للسياسة الخارجية في الأجيال المبكّرة ”السابقة”، بالخصوص في الـ و.م.أ التّي كانت لفترة طويلة في عزلة عن أي تدخّل أو هجوم رئيسي مباشر. كان أكبر الشُرّاح ”المفسّرين” للنظريات الواقعية الكلاسيكية المتعلقة بالسياسة الخارجية في الـ و.م.أ مثل والتر ليبمان قد انطلق من مسلمة ”Primise” أنّ دفاع أرض الوطن القارية يعني في جميع الأحوال التسليم بالمصلحة الحيوية. قبل الحرب العالمية الثانية، كان تهديد أرض الوطن يمكن أن يتأتّي فقط من قبل الدول الأخرى التي يُتاخم أمن إقليمها أمن إقليم الـ و.م.أ، أو التّي تحكّمت في المحيط القريب إليها. ومن ثمّ فقد كان مبدأ مونرو لسنة 1823 حجر أساس الأمن الوطني السياسي الأمريكي، هذا وكان ليبمان قد أقرّ سنة 1943، أنّ التغييرات في تكنولوجيا العنف الرسمي يعني أنّ الأمن السياسي في حاجة لأن يكون أكثر طموحًا: يجب أن تحافظ الـ و.م.أ على تحالفها مع بقية القوى الكبرى التي يجب أن ”تتشكّل من القوى المتفوّقة بشكل غير قابل للجدال”. ”ليبمان 1943”، مع ذلك استطاع ليبمان أن يحافظ على مفهوم تقليدي مفتاحي:
        هو أنّه تعريف جغرافي للحدود ”الخطوط” الدفاعية الذي يمكن أن تُعنى بدراسته الدوائر المركزية. إذا تمكّنت الـ و.م.أ من السيطرة ليس فقط على نطاقها الخاص، ولكن أيضا على الدائرة التي تطوّق هذا النطاق ”المساحةوتشمل الأقاليم الساحلية لأوروبا وآسيا، فإنّ أرض وطنها ”Homeland” سيكون في مأمن.
        لقد أعاد الإستراتيجيون الأمريكيون في الخمسينات من القرن 20م بزعامة برنارد برودي Bernard Brodie، توماس شيلينغ Thomas Schelling و ألبرت وولستيتر Albert Wohlsteter أعادوا النظر في مفهوم الحدود الدفاعية ”defensive perimeter”، مثلما خفّضت الصواريخ البالستية العابرة للقارات من أهمية المسافة: هذا شبيه بالعنف الرسمي الذي أصبح معولمًا.
        لقد جادل جون هارز John Herz ”1959” بأنّ الأسلحة النووية دفعت دارسي السياسة الدولية إلى إعادة النظر في مفاهيم: السيادة، الإقليمية، والوظيفة الحمائية للدولة: ”مع ظهور السلاح الذرّي، مهما تبقى من عدم نفاذية الدول، يبدو أن الوضع يسير إلى الأحسن”. ”with the advent of the atomic weapon, whatever remained of the impermeability of states seems to have gone for good…”
        عندما طلب حاكم دويلة صغيرة من مينشيوس في الصين القديمة، إبداء المشرورة في قضايا الدفاع والساسة الخارجية قيل أنّه نصح الحاكم بـقوله: ”عمّق حفر خنادقك، عليّ بناء أسوارك، إحمهم بموازاة ذلك بشعبك.”
        لقد بقي ذلك صورة كلاسيكية بالنسبة لعصرنا، عندما تمكّن الحكيم الغربي برتراند راسل” ”Bertrand Russell”، حتّى في فترة ما بين الحربين ”Interwar” من تعريف السلطة ”كحقوق تنبثق ”تشعّ” من مركز واحد وتضعف مع الزمن من ذلك المركز حتّى تصل إلى إيجاد توازن مع الوحدات المعتمدة التي تماثلها من الناحية الجغرافية”. ”As a force radiating from one center and diminishing with the distance from that center until it finds an equilibrium with that of similar geographically anchored units”
        أمّا الآن فهذه السلطة ”القوة” بإمكانها أن تقضي على القوة ”تدمّرها” من مركز إلى آخر، فكلّ شيء مختلف اليوم.
        لقد أشارت أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى أنّ العنف غير الرسمي أصبح معلومًا، كالعنف الرسمي تمامًا، لقد تحكمت الدولة في العنف وأصبح معولمًا هذا بالنسبة للقوى الكبرى طيلة فترة الخمسينيات من القرن 20م. لم تُوجد أحداث 11 سبتمبر عولمة العنف غير الرسمي، في الواقع إنّ الأمثلة تضرب في القدم، فبالرجوع إلى انتشار القرصنة في القرن 17م، فبإمكاننا العثور عليها بسهولة، إلاّ أنّ دلالات ”نتائج، تداعيات” عولمة العنف – كأن يكون اقتصاديا واجتماعيا – ليست جديّة بشكل مطلق، لكنّ تزايد شأنها جاء كنتيجة لانهيار حاد ”مفاجئ” في تكاليف الاتصالات والمواصلات العالمية. ”كيوهان ناي 2001
        يواجه منظروا السياسة العالمية المعاصرون تحدّيات مماثلة لتلك التي واجهت الجيل السابق: لفهم طبيعة السياسة العالمية وارتباطها بالسياسة الداخلية: عندما ادّعى هارز أنّ ”القوقعة ”القشرة” الصلبة” للدولة سائرة إلى التحطّم، أصبح يُنظر للمجال ”النطاق” الجغرافي كحاجز طبيعي وموقع ”محل” للتخوم الإنسانية ”الحواجز الإنسانية”، أمّا الآن فلابدّ من أن يُنظر إليه كناقل أيضا: ”as a carrier as well”. الأمر البديهي أنّ مفهوم الحاجز للمجال الجغرافي Geographical Space، كان ازدراءًا ”was scorn” ”انتقاصًا” للأهمية الجغرافية لدول ضعيفة لا تمتلك أسحلة نووية بعيدة عن حدودها ”الدفاعية، وقد خصّصت ”للأمن الذي تستحقّه هذه الدول بشكل مشروع”. ”consigned to the obscurity that they justly deserve”.
        كانت واحدة من أجمل أوقات الواقعية الأمريكية حينما عارضت حرب الفيتنام انطلاقا من هذه الحجج والأسباب. فقد عارض كلّ من والتر ليبمان وهانز مورغاتثو حرب الفيتنام ليس لأسباب معنوية، بل لعدم أهمية الفيتنام بالنسبة للمصالح الوطنية الأمريكية، بالنسبة لـ ليبمان فإنّ مفتاح نجاح أي سياسة خارجية هو تحقيق توازن مع الاحتفاظ بفائض مريح للقوّة في الادّخار، بين تعهّد والتزام الأمّة وقوّتها. ”ليبمان 1943”. والذهاب خارجًا في البحث عن قوى ”Monsters” لتدمّر اعتلال هذا التوازن. ”Going abroad in search of monsters to destroy upset that balance”.
        لقد انتقلت عولمة العنف غير الرّسمي خارجًا، من خلال شبكات الفواعل غير الدولاتية، حُدّدت بالتزام إلى حدّ ما بالقياس مع الإقليم، غُيرت بشكل عميق افتراضات السياسة الخارجية الأصلية،  في الدوافع ”الحجج/الأسبابالتقليدية للمصلحة الوطنية من المفترض أن تكون أفغانستان إحدى آخر المناطق أهمية في العالم بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية وحتّى الاجتياح السوفياتي سنة 1979، ثمّ من جديد – بعده – الانهيار السوفياتي 1991، إلى غاية أحداث 11 سبتمبر، فقد تجاهلتها الـ و.م.أ تمامًا لتصبح الآن في أكتوبر 2001 مسرحًا للحرب. تعني العولمة من بين مسائل أخرى، أنّ تهديدات العنف على أرض وطننا يمكن أن تأتي من أي مكان، لقد انطوى مفهوم الحاجز المكاني الجغرافي سابقًا على مفارقة تاريخية ارتبطت بالحرب النووية الحرارية، وتمَّ التشكيك فيه من خلال الأعمال السابقة لعولمة العنف غير الرسمي، ليتمّ التأكّد أن الزمن قد عفَا عنه نهائيا وبشكل كامل ومطلق أثناء أحداث 11 سبتمبر 2001.



  2- القوة والاعتماد المتبادل:
  هناك طريقة أخرى تبيّن الحجج التي ذهبنا إليها أعلاه وهي أنّ شبكات الاعتماد المتبادل، تضمّنت انتقال العنف غير الرّسمي والتي أخذت اليوم شكلاً عالميًا حقيقيًا، إنّ استعمال هذه اللّغة  يساعد على إدراك الصّلة الوثيقة لعولمة العنف غير الرّسمي في أدبيات القوّة والاعتماد المتبادل، التي طوّرت أصلاً لفهم الاقتصاد السياسي الدولي. في هذه الأدبيات فهم الاعتماد المتبادل ”كتبعيّة” متبادلة، أمّا القوّة فقد فُهمت كمصطلح الاعتماد المتبادل غير المتماثل ”Asymmetrical Interdependence” أيضا في هذه الأدبيات ومنذ مدّة طويلة أوضحت أنّ: ”القوّة العسكرية تهيمن على القوّة الاقتصادية في المعنى الذي يظهر فيه أنّ الوسائل الاقتصادية وحدها على الأرجح غير مجدية أمام الاستعمال الجدّي للقوّة العسكرية”. ”كيوهان و ناي 2001”.
        لقد أظهرت أحداث 11 سبتمبر كيف يمكن للـ و.م.أ أن تتضرّر كثيرًا بالعنف غير الرّسمي، على النحو الذي حذّرت منه بعض التقارير الحكومية، لكن من دون أن تُدرج لذلك خطط للحكومة، انجراحية Vulnerability الـ و.م.أ لم تبدو واضحة تمامًا طيلة الفترة، إلاّ أن الاستفادة من وسائل حجم الدمار، حجم الضغينة للـ و.م.أ ”الكره” وسهولة الدخول إلى الـ و.م.أ تقريبا من أي مكان في العالم، كلّها تُوحي بأنّ الانجراحية يمكن أن تكون شديدة ”حاسمة/عاليةجدّا.
        إذا واجهت الـ و.م.أ دولاً إقليمية، مع الأهداف ”الواضحة”، كان يمكن لهذه الإنجراحية ”الضعف” أن لا تكون مصدرًا للقلق، قبل كلّ هذا، فقد أصبحت الـ و.م.أ منذ وقت طويل أكثر انجراحية ”حساسية” بالتعبير التكنولوجي – من هجوم نووي قادم من روسيا. لكن لم تكن للـ و.م.أ انجراحية غير متماثلة Asymmetrically Vulnerability أي من الإمكانيات النووية العالية أو القدرة على الدمار والمؤكّد المتبادل ”MAD” فقد استمرّت الانجراحية أكثر أو أقل تماثلاً، وتتحكّم روسيا في قوّة كبيرة، لكنّها لا تكتسب قوّة أعلى من تلك التي تمتلكها الـ و.م.أ في مخزون أسلحتها.
        إلاّ أنّ هناك شيئان  غير متماثلان فيما يعلّق بالإرهاب، لا يصفان حقًّا العلاقة بين الدول، والمعالجة الأوّلية للعنف غير الرّسمي في سبتمبر 2001، أوّلاً: كان هناك اللاّ تماثل في المعلومات، هذا يظهر المفارقة بأنّ ”مجتمع المعلومات” مثل ذلك العصري في الـ و.م.أ يمكن أن يتسبّب في أضرار معلوماتية في ارتباطه بالشبكات الفردية التي تبدي الاتصالات لتظهر بشكل موسّع عن طريق الرسائل اليدوية المكتوبة، والاتصال  وجهً لوجه، إلاّ أنّ مجتمع المعلومات هو أيضا مجتمع مفتوح.
        يمتلك الإرهابيون المحتملون معلومات جيّدة عن أهدافهم حتّى قبل أحداث 11 سبتمبر، كانت الـ و.م.أ تفتقر  للمعلومات حول هوية وموقع الشبكات الإرهابية داخل الـ و.م.أ وفي بقية المجتمعات الغربيّة، ربّما للأهمية الموازنة، فإنّ الـ و.م.أ عجزت بشكل منطقي عن متابعة المعلومات التي جمعتها معًا وكالاتها المختلفة، ثانيًا: هناك إيمان ”معتقدات” غير متماثل، فبعض من أتباع أسامة بن لادن يؤمنون بوضوح أنّهم سيكافؤون بعد هذه الحياة، على ارتباطهم بالهجمات الانتحارية على المدنيين، بينما خُدع آخرون لمشاركتهم في الهجمات من دون تحديدهم لهدفهم الانتحاري بشكل واضح، فإن الطبيعة الانتحارية للهجمات جعلت الأمر أكثر صعوبة في حماية وتضخيم قوّتهم التدميرية الممكنة ”المحتملة” فلا المهام الانتحارية ولا الاستهداف المتعمّد للمدنيين اتّسقت مع المعتقدات العلمانية، بشكل واسع لتشارك في مهاجمة المجتمعات من قبل القاعدة.
        لقد حازت الـ و.م.أ وحلفائها على فوائد هائلة فيما يخصّ المصادر بما فيها القوّة العسكرية، المصادر الاقتصادية التأثير السياسي والإمكانيات التكنولوجية، علاوة على ذلك وسائل الاتصالات، قاعدة واسعة في الغرب، منح وزن أكبر لصوت الشعوب في الديمقراطيات المتقدّمة  من تلك الدول المفتقدة التطوّر، ومن ثمّ فاللا تماثل في المعلومات، المعتقدات التي أشرت إليها هي في هذا المعنى استثنائية ، إنّهم يتشاورون اليوم حول ”فوائد” مستمرة في استخدام العنف غير الرسمي، فقد اكتفوا الآن باعتبار أنّ للإرهابيين في نهاية المطاف إيجابيات قصيرة الأمد، وفي نفس الوقت اعتبار الإرهاب بمثابة تهديد طويل الأمد.
        إنّ إخفاقنا في إحباط أثر الهجمات الإرهابية لا ينبع من إخفاق مفاهيمنا الأساسية المرتبطة بتفكيرنا عن القوّة، على النقيض من ذلك، إنّ قوّة الإرهابيين مثل قوّة الدول، مشتقّة من الأنماط الغير متماثلة للاعتماد المتبادل، إنّ إخفاقنا هو في حقيقة الأمر إخفاق في فهم أنّ الدولة ذات القوّة الكبيرة ”Powerful” التي توجد في هذا الكون بإمكانها أن تكون حسّاسة تتأثّر” تجاه عصابات إرهابية صغيرة، ينشأ ذلك عن أنماط الاعتماد المتبادل غير المتماثل، لدينا تأكيد أكثر بالنسبة للدول مثلما لدينا أيضا إجمالي قدر” أكبر من القوّة.
        لا تنبع القوة ببساطة عن فوهة البندقية ”أو برميل البارود”، ولكن من "انجراحية الاعتماد المتبادل غير المتماثل”، بعض منها يكون في صالح فواعل غير دولاتية أكثر بكثير ممّا يتوقع أغلب المراقبين … يمكن لشبكات الاعتماد المتبادل إلى جانب القوّة أن تنتقل بصفة متعدّدة، ولا يمكن لأحدها أن يبطل الآخر.
        كذلك بالنسبة لدولة ذات قوّة ساحقة في عدّة مجالات/أبعاد يمكن أن تتّسم بانجراحية عالية تجاه الدول الأخرى، لقد تعلمنا هذا الدرس في سبعينيات القرن 20م في ارتباطه بقوّة النفط، ونتعلمه اليوم في علاقته بالإرهاب.
  3- المؤسسات والشرعية:
       تقرّ النظرية المؤسساتية بأنّ تعدّد المؤسسات بإمكانه أن يلعب دورًا هامًا حينما يكون التعاون واسعًا  ما بين الدول في السياسة العالمية، لا يزال قرّاء الصحافة الأمريكية مباشرة بعد هجوم 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، قادرين على التفكير بشكل جيّد في هذه الإدعاءات الغريبة التي كشفت عنها الحقيقة، فمباشرة تركّزت ردود الأفعال على الأمن الداخلي والاستجابة العسكرية، وإنشاء تحالف دولي واسع ضدّ الإرهاب. بالرّغم من أنّ مجلس الأمن الدولي عمل في 12 سبتمبر على تمرير القرار 1368، فإنّ التفاتته واستجابته كانت بالنسبة إلى حجمه ضئيلة الأهمية. صحيح أنّ كلام الرئيس بوش أمام الكونغرس في 20 سبتمبر لم يشر إلى هيئة الأمم المتّحدة، رغم ذلك فقد أثنى الرئيس على الناتو فأوجد مرجعيّة عامة تستند إلى منظمات دولية، كما أنّ تغطية الأمم المتحدة في صحيفة النيويورك تايمز كانت منعدمة فعليًا.
        لكن النظرية لا تقاس بردود الفعل الفورية لصنّاع السياسة والأكثر من ذلك بردود أفعال الصحافة، تُقدم نظرية علم الاجتماع مقترحات لتوضيح البناءات الأساسية للحقيقة الاجتماعية التي تُنتج حوافز و ”محرّكات” للفعل.
        لقد عبّر كينيث والتز بحق في إثباته لنظريته عن ميزان القوّة أنّه ”أثناء رصد” الحالات الصعبة” تُثبت النظرية وادّعى ذلك عندما ”تتحالف دول مع بعضها البعض” وانسجامًا مع هذه التوقّعات تمنح النظرية الصعود-”تُثبت”-، حتّى وإن كانت ”الدول” تملك أسبابًا قويّة، فهي لن تتعاون مع أي من الآخرين والتز 1979”. ”Kenneth Waltz rightly looks for confirmation of his theory of balance of power through observation of difficult cases”. The theory is confirmed, he claims, where states ally with each other, ”in accordance with the expectation the theory give rise to, even though they have strong reasons not to cooperate with one another”.
        لقد جادل الواقعيون بحق، بأنّه إذا بدى للقادة بأنّهم مجبرين على تقديم أفعال، فإنّ هذه النظريّة تزوّدهم بمقترحات، على سبيل المثال: عندما تحالف ونستون تشرشل مع الاتحاد السوفياتي سنة 1941، ومع القادة الأمريكيين عند إنشاء الناتو بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان ذلك بتأثير و ”بوحي” من نظرياتهم.أي ”إعتمادا على هذه النظريات”.
        صحيح أنّ أكثر اختبار مطلوب للنظرية يأتي حينما لا ينفتح -”لا يتقبل”- صنّاع السياسة بشكل مبدئي على النقاشات والبراهين التي تستند إليها النظرية، ومع ذلك فإذا رجعوا إلى معايير السياسة، التي تصوّرتها النظرية، فهي تحظى بالتأييد.
        بناء على ذلك تطرح هجمات 11 سبتمبر اختبارًا كبيرًا للنظرية المؤسساتية، فقبل 11 سبتمبر اتّبعت إدارة بوش بشكل بارز سياسة أحادية فيما يتعلّق بقضايا عديدة، بما فيها الاحتباس الحراري في العالم ”Global Warming”، التجارة في الأسلحة الصغيرة، غسيل الأموال، التهرّب من الضرائب، كلّ قيادات صناع السياسة كانوا ذوي ميول واقعية، أكدوا على الاستخدام الحاسم للقوّة، ولم يسبق لهم أن أيّدوا بشكل عام المؤسسات الدولية، فنزعتهم الأوّلية، بياناتهم  و”تصريحاتهم” العامة، والتي يعبّر عنها الرئيس، لا تحمل أي دليل، لا تقودهم إلى التأكيد على دور الأمم المتّحدة.
        رغم ذلك رجعت الـ و.م.أ إلى مجلس الأمن في 28 سبتمبر 2001، واتّخذ مجلس الأمن بالإجماع القرار 1373 بناءًا على اقتراح من الـ و.م.أ وقد استخدم هذا القرار الفقرات الإلزامية للفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، ليطلب من كلّ الدول ”عدم توفير الملاذ الآمن” ”deny safe haven” لكلّ من الإرهابين وأولئك الذين يؤمّنون لهم الملاذ الآمن، كما طالب القرار 1373 أيضا أن تمنع الدول الإرهابيين المحتملين -”المشتبهين”- من استخدام أراضيها وتحظر تمويل الأعمال الإرهابية، ليس بمفهوم الإرهاب كما ذُكر سابقًا، علاوة على ذلك، فقد استمرّت الـ و.م.أ في استخدام الأمم المتّحدة، في الواقع فوّضتها في العمل على جذب الفصائل الأفغانية معًا في ألمانيا، في لقاء بلغ ذروته مع اتّفاقية ديسمبر 2001.
        لماذا يتوجّب على الـ و.م.أ  أن تعتمد على الأمم المتّحدة بشكل واسع ؟ الأمم المتّحدة حسب عبارة ستالين الشهيرة ليس لديها تمييز ”فئة معيّنة، الـ و.م.أ ليست هي الأمم المتّحدة، تدعم الأعمال العسكرية الهامة. وقد جمّدت البنوك فوق القومية transnational banks، البنوك المركزية، ودول مع إمكانياتها التنظيمية ”الرقابيّة”، أموالاً زعمت أنّها تخصّ إرهابيين، كما استند حلفاء الـ و.م.أ حتّى قبل قرار 28 سبتمبر لمجلس الأمن، إلى المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي الناتو.
        قبل 35 سنة تقريبًا، اقترح كلود إنيس Inis. L. Claude إجابة واحدة ”كلود 1967" تبحث الدول عن الشرعيّة الجماعية Collective Legitimating، لسياستها في الأمم المتّحدة، فوحدها الأمم المتّحدة تستطيع أن توفّر تأييد واسع لفعل يمكن أن يرفعها عن سياسة بلد واحد أو مجموعة من البلدان إلى سياسة يصادق عليها على مستوى عالمي. بلغة معاصرة ”فتكاليف التعامل” Transaction Costs بالبحث عن تأييد أكثر من 150 بلد حول العالم هي أعلى من تلك الناجمة عن الذهاب إلى مجلس الأمن … لكنّ الأهم أنّ هذه التكاليف هي في الواقع أنّ مؤسسة الأمم المتّحدة يمكن أن تمنح درجة مؤكّدة من الشرعيّة من أي سياسة فُضّلت من طرف الـ و.م.أ.
        ما الذّي تعنيه الشرعيّة في هذا السياق ؟ إنّ القرارات الشرعية لمجلس أمن الأمم المتّحدة في القضايا المرتبطة باستعمال العنف، هي مشروعة منذ أن رخّص -”أجاز”- أعضاء الأمم المتّحدة، من خلال هذا الميثاق، تلك القرارات.
        في شعبيّة واسعة وشعور طبيعي، حظيت القرارات بالشرعيّة من اجل إعطاء فئة من الجمهور باعتبارهم أفراد فإنطلاقا من هذا الإيمان الجماعي، كان يجب أن تُطاع. ”In a broader popular and normative sense, decisions are legitimate for a given public in sofar as members of that public believe that they should be obeyed”.
        فكما أشار ماكس فيبر أنّ مصادر تلك الشرعية ممكن أن تشتمل على تقليد كعُرف أو قانون”، كاريزما أو سلطة شرعية عقلانية. ”فيبر 1978”.
        كما يمكن أن يشتمل على مناشدة و ”احتكام” لمبادئ ”Norms” مقبولة على نحو واسع، ربّما يعتقد النّاس في مناطق متعدّدة من العالم أنّ على حكوماتهم الامتثال إلى قرارات مجلس الأمن، لأنّها جاءت بموجب عملية جدُّ طبيعيّة، كما أنّها مقبولة من الناحية القانونية ”الشرعية”،أو ربّما ينظرون إلى قراراتها باعتبارها تحظى بالشرعيّة، بالإضافة إلى أنّها مبرَّرة بمبادئ أساسية – كالمعارضة الجماعية للعدوان – والتي يعتبرونها مبادئ صحيحةبمعنى سارية المفعول أو شرعيّة”.
        لماذا نعتبر الشرعيّة مهمّة ؟… مبدئيا وجزئيا إنّ الأشخاص والناس طوعا سوف يدعمون السياسة الشرعية، دون الحاجة إلى طلب جانب مادي.
        لكنّنا قد نكون طيّبين إذا اعتقدنا بأنّ مسيّري معظم دول العالم يقتنعون بأنّ قرارات مجلس الأمن تعتبر عقلانية، فهم يعتقدون أنّها قانونية فقط إذا عادت عليهم بالمزايا.
        فالحكام لا يرضون بقرارات هيئة الأمم المتّحدة إلاّ إذا تماشت مع سياساتهم وحساباتهم، وهذا نفسه ما ينطبق على مجتمعات الدول الديمقراطية التي تقبل بشرعية قرارات الأمم المتّحدة لأنّها تتماشى ومصالحهم، والأمم المتّحدة أيضا تعتمد في قرارتها على الشرعية التي تستمدها من شعوب ومجتمعات هذه الدول الديمقراطية.
        فالحقيقة إذن هي أنّ الدول التي تحترم قرارات مجلس الأمن هي الدول التي تفرض عليها عقوبات مثلما حدث في حرب الخليج، ويتم اعتبار حكامها متعاطفين مع الإرهاب فتفرض عليهم عقوبات اقتصادية قد تصل حتّى إلى عقوبات عسكرية.
        إنّ الرؤية العامة حول المؤسسات الدولية هي تلك التي قدّمتها ”النظرية المؤسساتية” التي تعتبر أنّ المؤسسات الدولية تعمل على مستويات وجبهات كبرى على تغيير وتعديل استراتيجيات الدول، بالطبع لا توجد أي ضمانات على قدرة المؤسسات على ضمان أنّ هذه الاستراتيجيات سوف تتغيّر، فالمؤسسات ما هي إلاّ وسيلة واحدة من بين عدّة وسائل لتغيير هذه الإستراتيجيات، على الرغم من الدور المعتبر لهيئة الأمم المتّحدة التي تستخدمها ”و.م.أ” كوسيلة مهمّة لتمرير قراراتها إذن فالمؤسسات الدولية هي وسيلة لا يستهان بها ويجب أخذها بعين الاعتبار.
        إنّ مسألة قدرة و.م.أ على جلب موافقة القوى المتعدّد الأطراف على سياستها، هو أمر يجلب لنا أسئلة حول الاعتماد المتبادل والقوة، فالولايات المتّحدة الأمريكية وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، اتّجهت نحو بلدان ودول أخرى لطلب التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ونفس الشأن بالنسبة للدول الأخرى التي تطلب مساعدة و.م.أ في مجالات أخرى وهذا ما يعني ”التعاون المتبادل”، هذا التعاون جزأ منه تقوم به و.م.أ وجزأ آخر يتم عبر المؤسسات الدولية متعدّدة الأطراف.
        إنّ استعمال هذه المؤسسات يعود بالنفع والقوة الكبيرة على و.م.أ، فمن هنا سوف يكون للإرهاب الموّجه ضد و.م.أ دور إيجابي أكثر منه سلبي حيث سيجلب لها المزيد من الدعم والتعاون وخاصة السمع والطاعة في عدّة مناطق مثل باكستان، والأكثر من هذا الصين، روسيا والاتحاد الأوروبي، فالإرهاب إذن ومكافحته أمر يجعل و.م.أ أكثر استعدادا لاستعمار واستخدام هذه المؤسسات المتّحدة، حتّى وإن كان هذا الأمر يحُّد وينقص من الدور الأمريكي نوعا ما.
        على المدى القصير يمكن اعتبار هذه المؤسسات المتّحدة أحد المستفيدين من عولمة العنف غير الرّسمي، فهذه المسألة إذن ”الإرهاب” هي واحدة من أهمّ الأسباب التي تدفع الأنظمة إلى اتّباع سياسات تعاون مشترك وعلى دفع أطراف ودول أخرى إلى القيام بمبادرات مماثلة، فالولايات المتّحدة الأمريكية تحتاج أكثر إلى دعم معظم دول العالم حاليا، وهو الأمر الذي لم يكن موجودا قبل هجمات 11 سبتمبر، والتعاون المتبادل في هذه المسائل هو أفضل وسيلة لتحسين العلاقات مع الدول التي تساعد و.م.أ في حربها ضدّ الإرهاب.
        لكن في هذه المرحلة ”مرحلة التعاون” يجب توخّي الحذر قليلا لأنّ و.م.أ ستسيطر على هذا التعاون، ولن تسمح حتى لمجلس الأمن من أن يجعلها تخلص من حرية التصرّف العسكري في أفغانستان، وهذا ما بدى واضحا بعد رفض مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتّحدة طلب بريطانيا بإرسال فرق حراسة لعمليات إنقاذ الجنود، حيث أكّدت و.م.أ أنّها لن تخرج من أفغانستان إلاّ بعد إسقاط طالبان وتدمير مقاتلي القاعدة والقبض أو قتل ”أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة، وألقت كلّ اللّوم على مجلس الأمن متّهمة إيّاه بعرقلة سيرها في أفغانستان.
        نستطيع بكلّ بساطة إذن أن نتخيّل سيناريو سلمي للسنوات القادمة، فالحكومة الأمريكية وفي إطار حروبها الوقائية تتّبع ومن اجل حماية نفسها حلولا راديكالية، وهو ما سوف يدفع بها إلى الهجوم ضد العراق، لكنّ في ظل هذه الحالة فإنّ هيئة الأمم المتّحدة وحلف شمال الأطلسي -”هذا المقال كتبه روبرت كيوهان” بعد حرب و.م.أ ضدّ أفغانستان وقبل حربها ضدّ العراق”.- لن تقوم بإضفاء صفة الشرعية على احتلال و.م.أ  للعراق إن تمّ مستقبلا، لأنّ و.م.أ تصرّفت بطريقة أحادية  دون أخذ إذن هذه المؤسسات، وبهذا تكون و.م.أ قد ضربت بعرض الحائط التعاون القائم بين المؤسسات الدوليّة والدول.
        فحتّى لو كان إذن هناك مؤسسات متعدّدة الأطراف مهمّة، فإنّه لا يظهر للعيان أنّها مهمّة وكافية وحدها على الساحة الدوليّة، وتبقى وكالات التطبيق وهي الدول هي الأهم في مشكلة عولمة العنف غير الرّسمي مستغلّة ما تملكه من إمكانيات كالسيطرة على صنع القرار والقوّة والإخلاص الذي تكتسبه من مواطنيها، أمّا فيما يخصّ مسألة الإعلان الجديد عن موت الدولة فإنّها مجرّد تصريحات لضحايا الهجوم الإرهابي على و.م.أ  رغم هذا فإنّ المنظمات متعدّدة الأطراف تبقى لها وسيلة مهمّة في إضفاء صفة الشرعيّة على أفعال الدول.
        يجب إذن معرفة أنّ الحجج المقدّمة عن دور المؤسسات متعدّدة الأطراف والقنوات الأخرى من غير الدولة ليست ضدّ الطرح الواقعي ”النظرية الواقعيةبل بالعكس فهي دائما تعمل على تفضيل دور القوّة والفعل الحكومي في السياسة العالمية، على ضوء فكرة أنّ التهديدات الجديدة تقيم تحالفات جديدة بين الدول، فالمحللون الذين يتماشون مع الطرح المؤسساتي، لا يرون في المؤسسات وحدها بأنّها الحل لمشاكلنا، لكنّهم يرون أنّ الدور الحسّاس لهذه المؤسسات المتعدّدة الأطراف، يساعدنا لنرى كيف تلعب هذه المؤسسات دورًا مهما ليس فقط في المصاريف المالية بل حتّى في إقامة سياسات جماعية مشتركة، وكذا توفير شرعيّة للفعل الدولي المجدي والنافع.



  4- ليبرالية الخوف:
    ”جوديت شكلار” ”Judith Shaklar”: إنّ ليبرالية الخوف للديمقراطية الليبرالية قدّمت لنا وصفة للحياة أكثر منه مشروع لتطوير الإنسانية والبشرية، فهي تبحث عن تجنب النتائج الجدّ سيئة وتصرّح بأنّ أوّل حقوق المواطنين هو حماية الدولة لهم من الخوف والعنف والقسوة (Shaklar 1984: 4, 237)، إنّ ليبرالية الخوف تعبر عن حالتنا اليوم، مثلما عبّرت وتحدّثت عن ضحايا النازية من قبل على حدّ تعبير (Judith Shklar)، وهنا نتساؤل منهجيا وتحليليا عن دور الدولة مثلما تحدّثت عنه الليبرالية في حماية مواطنيها من عولمة العنف غير الرّسمي، وهذا السؤال نطرحه كوننا طلبة للسياسة الدولية.
        إنّ الاهتمام بهذه المسألة وخاصة مبدأ ليبرالية الخوف صار حاليا أمرا مطروحا بقوّة في و.م.أ، بعدما كان منذ قرنين من الزمن أمرا غير قابل للطرح تماما، ففجأة أصبحت مهمّة حماية المواطنين من الخوف والظلم مشروع واجب من طرف الدولة وحدها.
        لكن مقابل هذا فإنّ ”Judith Shaklar” ترى أنّ الدولة هي التهديد الأساسي الغيرْ ليبرالي”: مصرحًا بأنّه يجب ألاّ ننسى القهر الممارس للأنظمة والحكومات الدولية (Shaklar 1984: 4, 244)، وفي هذا الصدد فإنّ ”ليبرالية الخوف” تشترك وتتقاسم مهمّة صعبة مع نظريات السياسة الدولية الأكثر شعبية ومن ضمنها الواقعية المؤسساتية وبعض مدارس النظرية البنائية، ولكن كل هذه النظريات تشترك في خطأ واحد بتركيزها على الدولة، إذ أنّ العولمة تسهل من بروز وكالات وقنوات غير حكومية. وهذا ما ترسّخ بعد ”11/9/2001”، حيث لم يكن بمقدور الآراء السابقة الذكر نسيان الفاعلين الأساسيين غير الحكوميين الأفراد” الذين ينشطون داخل الدول المتحرّرة، وبإمكانهم أن يكونوا جدّ متعبين بالنسبة لهذه الدول المتحرّرة.
        إن التعرّف على حقيقة أخطار العنف أمر يؤدّي بـ و.م.أ إلى نظرة أوسع لمصالحها بالعالم، وهذا يمثل تحدّي بالنسبة للواقعية الكلاسيكية التي كانت ترى بضرورة الفصل والتمييز بين المناطق الجغرافية المهمّة للمصلحة الوطنية والمناطق الأخرى من العالم الغير مهمّة بالنسبة للمصلحة الوطنية، فالعالم كلّه اليوم مهم بالنسبة للمصلحة الوطنية الأمريكية، لأنّ الهجومات التي تتمّ ضدّ و.م.أ حاليّا تتمّ برمجتها وإعدادها في تلك الدول التي كانت غير مهمّة.
        إنّ أحد أهمّ نتائج هذا الخلط الحاصل حول دور الدولة، هو غياب الوضوح حول الفرق بين مفهوم الدفاع الذاتي ومفهوم التدخّل باسم حقوق الإنسان، واليوم تستعمل و.م.أ الربط بين المفهومين فهي تسعى لتحقيق أمنها القومي عن طريق التدخّل باسم النزعة الإنسانية.
        بصفة عامة  إنّ معرفة أهم أخطار العنف غير الرسمي تدفع به و.م.أ إلى وضع تعريف جديد لمصالحها الوطنية عن طريق الأخذ بعدّة متغيرات في الحسبان، هذا التعريف الجديد للمصلحة الوطنية لـ و.م.أ يدفع بها أيضا على العمل على القضاء على الفقر واللا مساواة والظلم في البلدان الفقيرة، ففي عام ”1947ووفقا لمصلحتها أخذت و.م.أ على عاتقها مسألة مساعدة وبناء أوروبا ديمقراطية وراسمالية وفق ما حدّده ”مشروع مارشال”، وفتح الباب أيضا إلى إقامة ديمقراطيات رأسمالية أخرى، وقد استعملت و.م.أ موارد ضخمة في هذا المشروع وبنجاح كبير ومميز، لكن المهمّة تحوّلت حاليا وصارت تتمثّل في دعم دول غير متطوّرة وأكثر من ذلك الدول التي تخشاها و.م.أ، مع العلم أنّ هذه الدول السابقة الذكر ذات أنظمة سياسية هشّة مقارنة بالدول الأوروبية لسنة ”1947، ومع العلم كذلك، أنّ الموارد المتوفّرة والمتاحة حاليا بالنسبة لـ و.م.أ هي أكثر وأفضل بكثير من الموارد المتاحة عام ”1947م”.
        بصفة عامة  إنّ المصالح الأساسية لـ و.م.أ يجب أن تكون مؤسسة وفق قيم أساسية تستطيع تعميمها على العالم فيما بعد، كالحريّة الفردية، وتعزيز الفرص الاقتصادية، والديمقراطية النيابية، وتحقيق هذه الأمور يُعدّ انجازا لقيم أساسية حقًا، وفي نهاية المطاف فإنّ ”القوّة الناعمة” التي تحدّث عنها جوزيف ناي” لا تعني رغبة النّاس في بلد ما في تقليد مؤسسات بلد آخر، ولكن تعني قدرتهم على العمل بها ”فهناك فرق بين الرغبة والمقدرة” فالولايات المتّحدة الأمريكية تمثّل نموذجا عاليا جدّا لحياة الرفاهية، وهو الأمر الذي لا تقوى دول أخرى على تحقيقه وتطبيقه، وهو ما يتحوّل بدوره إلى عدوانية اتّجاه و.م.أ، فعلى و.م.أ إذن التفريق بين القيم الممكنة التطبيق والامتيازات المستحيلة التطبيق خاصة بدول العالم الفقيرة.
        إنّ تمسّك الأمريكان بحياة الرفاهية أمر يطوّر المصالح الوطنية الأمريكية، لأنّه أمر يجعل جلّ دول العالم مهتمّة باتّباع النموذج الأمريكي،وهذا أمر إيجابي تحدّثت عنه الواقعية الكلاسيكية حينما اعتبرت أنّ مصالح الدول تتحقق في نمط جغرافي محدّد ومتقارب، ولكن محتكرة في الوقت ذاته على عنصر غياب الثقة. فليست الدول التي ترفض و.م.أ هي وحدها التي نسميها بصفة الشيطانية لأنّ هناك دول أخرى تتظاهر بحبّ و.م.أ لكنّها في حقيقة الأمر دون ذلك تماما، ولحسن حظّ الو.م.أ فهي تعتمد على قوّتها العسكرية والمعاهدات البينيّة أكثر من المساعدات الاقتصادية والتجارية، فعلى الو.م.أ ألاّ تثق أبدا في حلفاؤها الحاليين، لأنّهم قد يكنون لها الحقد مثل بقية دول العالم، في نهاية المطاف إنّ رؤية الو.م.أ لمصلحتها الوطنية هكذا هي مجرّد وصفة لمنع قيام نزاعات في محيطها الدولي، هذه النزاعات قد تنجم عن بروز قوّة دولية جديدة وهو الأمر الذي تعمل و.م.أ على منعه بإبقاء نفسها القوّة المهيمنة المسيطرة.
        عموما عندما نفكّر في ”ليبرالية الخوف” يجب أن نتذكّر بأنّ جيلنا يعيش في عالم معلوم ”تنتشر فيه الفوضى و الحروب” وأنّه لا يجب أن نأخذ بأنّ المجتمعات الليبرالية لا تعمل على نشر الفوضى كأحد المسلّمات الرئيسية، إنّ أشخاصا مثل ”Judith Shaklar” و الذين عرفوا النازية يفهمون جيّدا معنى الطغيان والظلم، ونفس الشيء بالنسبة للذين يفوقوننا سنّا بـ الو.م.أ عرفوا جيّدا هذا الإحساس بالطغيان والظلم أثناء فترة الحرب الباردة نفسيا أكثر منه واقعيا، بالرّغم من أنّ التهديدات النوويّة والحروب مثل حرب كوريا والفيتنام أعطتنا العديد من المعاني لإعادة التفكير في هذه الأمور. فالأجيال الذّين بلغوا سنّ النضّج في و.م.أ في منتصف الثمانينات ”خاصة الأشخاص الذين يتعدّى سنّهم 35 سنة” أخذوا بمبادئ الليبرالية وكأنّها مسلمات لا تناقش، كما لو أنّ و.م.أ تترفّع عن جميع شعوب العالم، وتظنّ نفسها بأنّها منعزلة عن مشاكل العالم، رغم أنّ عولمة العنف غير الرسمي تعني أنّنا مرتبطون بالعالم وغير منعزلين عن مشاكل ليبرالية الخوف ونحن مرتبطين بهذه المشاكل وأكثر من هذا غير قتلة حاقدين ”نتحدث هنا عن الأشخاص المنّفذين لهجمات 11 سبتمبر 2001” عبر قنوات حقيقية لا خياليّة ”المقصود بالقنوات الحقيقية لا الخياليّة هم الأشخاص والبشر”. لهذا فلا يمكن اعتبار خيارات تيار الانعزالية ”الديمقراطيين” ولا الانفتاحيين الهجوميين الجمهوريين” يملكون خيارات قابلة للتطبيق حيال هذا الأمر.
        هكذا فإنّ وجرّاءا لليبرالية الخوف يجب علينا نحن دارسي الاعتماد الدولي المتبادل والمؤسسات متعدّدة الأطراف أن ننبّه وأن تفرّق بين آرائنا وآراء المدارس الأخرى في العلاقات الدولية، أي بمعنى أكثر وضوحا يجب أن نفرّق بين ما هو شمولي وما هو مفصّل في العلاقات الدولية، فنحن نحتاج إلى القيام بنظرة شمولية إزاء أفكار الواقعية الكلاسيكية والمؤسساتية والبنائية والتفصيل في نقائص هذه النظريات إذ يجب أن نأخذ بنقطة مهمّة جدّا وهي مسألة بروز الظاهرة الدينية والتي يجب أخذها بعين الاعتبار، كما يجب أن نعرف طريقة معيّنة للتوفيق بين آراء النظريات في العلاقات الدولية ومع صفة عمل المؤسسات الدولية بغية الوصول إلى نتائج معينة في السياسة الدولية، كما نحتاج في الوقت ذاته إلى وضع تفصيل بين تيار الاعتماد المتبادل غير متماثل ومختلف الأنواع المتعدّدة للقوّة، وكذا التفريق بين المؤسسات العالمية والقنوات الأخرى المادية ”الأفراد” وبالضبط ضرورة التمييز في طرق عملهم وبالتالي معرفة الفرق بين من هو خيّر ”المؤسسات” ومن هو شرير ”الأفراد”.

    خـاتمـة:

إنّ الهجمات الإرهابية ضدّ الو.م.أ تدفعنا إلى إعادة التفكير في نظريات السياسة الدولية، فالعولمة لم تعد تعرف بأنّها دمج للاقتصاد العالمي، والتطوّر التكنولوجي والاستعمال الواسع للإنترنت أو وجود مؤسسات عالمية، بل صارت تعني أيضا مجموعة صغيرة من المتعصّبين المسافرين على متن طائرات نفاثة، يقومون بتغيير مفهوم العولمة.
        إنّ عولمة العنف صارت أمرا عاديا معلنا عنه، وهذا يدفعنا إلى إعادة النظر في مفاهيم الواقعية الكلاسيكية حول تقسيمها للمدى الجغرافي إلى مناطق مصلحة ومناطق غير ذلك، والأكثر إشكالا هي ضرورة القيام بمراجعة حول نظرية العلاقات الدوليّة التي ركّزت على الدول حيث يوجد الكثير من العلاقات الدولية وقليل من المؤسسات العالمية، فالدول قد أدّت بنا إلى كارثة، ولم يبق لها أي حق في استخدام أسلحة الدمار الشامل، لقد مات الكثير من البشر في الهجومات ضدّ مركز التجارة العالمي والبنتاغون أكثر من الهجوم الياباني على قاعدة ”بيرل هاربر” ”Pearl Harbar” عام ”1941م”، ومنه قد يكون من الأفضل تغيير اسم العلاقات الدولية إلى العالم السياسي أو العلاقات السياسية.
        فلا يجب إذن أن نركّز على الدولة دون المؤسسات العالمية، كما أنّه على الدول أن تتعاون فيما بينها خاصّة في مجال الأمن عن طريق منبر مهمّ وهو منبر المنظمات الدوليّة.
        إنّ فهمنا للسياسة الدوليّة يتطوّر كلّما ظهرت أحداث جديدة مثل الحرب العالمية الثانية، الثورة النوويّة، ومع تزايد الاعتماد المتبادل الاقتصادي خلال الخمسين سنة الأخيرة صارت عولمة العنف غير الرسمي مهمة جدّا في شتّى بقاع العالم خاصة مع النهضة الثقافية التي شهدها العالم.

ترجمة و إعداد:
*خشيب جلال.
*بن عزّوز عبد الرحمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق