الخميس، 24 مايو 2012

الحتمية السلطوية السياسية ... هل تُضاف إلى لائحة الحتميات ؟

الحتمية السلطوية السياسية ... هل تُضاف إلى لائحة الحتميات ؟
جلال خشيب : 19 ماي 2012 .

   هل الإنسان حر ؟ هل هو مخيّر أم مسير ؟ إشكالية الحرية و الجبر إحدى الإشكاليات الكبرى في الفكر الفلسفي القديم إستمر الإنسان الباحث فيها يدور في حلقة مفرغة فارغة لم توصله إلى حسم القضية ... لم يرى إنسان عصر الحداثة أهمية في الخوض في ذلك فكل همّه صار مرتكزا في البحث عن سبيل لتحرّر الإنسان و تحريره من سلطة الحتميات ، حتمية طبيعة " نيوتن و الجاذبية " ، حتمية نفسية " فرويد و سلطة اللاشعور " ، حتمية سلوكية " واطسون و تجارب المنعكسات الشرطية " ، حتمية إجتماعية " دوركايم و سلطة المجتمع " ... لذا إنتقل الإنسان بفكره من البحث في إشكالية الحرية إلى البحث في مسألة التحرر ... كتبتُ هذا الكلام لألفت الإنتباه إلى حتمية من نوع آخر صارت تعوق الإنسان الحديث و تحول بينه و بين إرادته في الإنعتاق و هو ما أسميه هنا بالحتمية السياسية السلطوية حينما يكون الإنسان مقيّدا بقيود السلطة و إرادتها بطريقة لاشعورية تهيمن على أناه و وعيه الباطني ، سببها يرجع بالأساس إلى التنشئة السياسية و الإجتماعية التي فرضتها السلطة السياسية على المجتمع و عمليات التجهيل الفوقية المقصودة و التّي أنتجت لنا أجيالا و أجيالا بشكل أشبه بالتوارث البيولوجي... أعتقد أنّها فكرة جديرة بالبحث و التوسيع  .



نظرة خاصة لمفهوم الأمن ... مجرد فكرة .

نظرة خاصة لمفهوم الأمن / مجرد فكرة .
جلال خشيب .


   مروري اليوم بهذه الآية جعلني أعود لأفكر في الجدل الأكاديمي المرتبط بالدراسات الأمنية ، حيث ثار الجدل بدايةً حول مصطلح الأمن و مفهومه ، ماذا نقصد بالأمن أوّلا قبل أن نتحدث عن مجالاته أو قطاعاته ... إنحصر مفهوم الأمن كما نعرف في البدء في زاوية ضيقة عالجها المنظور الكلاسيكي الدولاتي ، أين كان الأمن مرتبطا بالدولة إبتداءً كمصدر منتج لهذا الأمن و كموضوع يُناط به هذا الأمن بصيغة كلاسيكية صارمة تَرادف فيها مفهوم الأمن مع الجانب العسكري المحض ، لأسباب تاريخية إمبريقية إرتبطت بالحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة و أخرى أكاديمية و هي تلك المتعلقة بهيمنة المنظور الوضعي الواقعي على حقل الدراسات الدولية عموما و على الدراسات الأمنية على وجه التحديد لتتطور الدراسات الأمنية في ما بعد الحرب الباردة مع المنظور المابعدي و النظريات النقدية خصوصا أين طُرح مفهوم الأمن النقدي ... على كلّ حال فقد عاد الكثيرون ليُحدّدوا مفهوما للأمن بإعتباره إنعتاقا من الخوف ... ما أريد أن أشير إليه هنا مرتبطٌ بماهية هذا الخوف ... كلّ ما يجعل الإنسان في حالة خطر أو تهديد يصلحُ ليكون جوهرا لهذا الخوف ، لكن أغلب إن لم نقل كلّ الدراسات جعلت مصدر الخوف هذا مصدرا ماديا على الإطلاق و نابعا من أفعال الإنسان كمُسبب لحالة الخوف ثمّ كمتعرض لها بالضرورة ، بمعنى أنّ مصدر الخوف كان مصدرا وضعيا ، و هنا نرجع لنتأمل فحوى الآية الكريمة ، جاءت الآية كريمة على لسان سيدنا إبراهيم و هو يُنافح عن دين التوحيد و يرّد على قومه المنكرين بعد أن هدّدوه "خوف" و توعدوه بالهلاك إذا ما أنكر آلهتهم  فردّ عليهم بتسائل مبني على إيمان " وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله .." ليقلب ميزان الخوف عليهم ، فلأنّهم كفروا بالله خالقهم و رسالة نبيه فهم معرضون للخطر ، لذا تُقسم الآية الكريمة الناس إلى فئتين ، فئة آمنة " إنعدام الخوف"  و أخرى غير آمنة " معرضة لإضطراب الخوف" ، الأولى آمنة لأنّها موّحدة مُخلصة في إيمانها بالخالق و برسالته و الثانية غير آمنة لأنّها منكرة أو جاحدة له... الأولى تجعل الله مركزا للكون و الثانية تجعل الإنسان مركزا له .
  إذن صار المتعالي عن الطبيعة ، ما وراء الوضعي " أي الله " بهذا المفهوم هو المصدر الأول و الحقيقي للأمن أو الخوف بدلا من الإنسان  كمصدر ثاني متسبب له ، و صار التوحيد " الإسلام " عاملا محدّدا لأمن الإنسان أو لخوفه أمّا عن طبيعة هذا الخوف و نوعه فإمّا أن يكون خوفا حاليا وضعيا "العالم الدنيوي : إذا غضب الله على قوم لكفرهم أو لضلالهم يُرسل عذابه عليهم بآيات تصنعها قوانين إلهية في الطبيعة و ليس المعجزة " و إمّا أن يكون خوفا ما ورائيا ميتافيزيقيا "العالم الأخروي : العذاب الأخروي ، جهنم " و هذا الخوف يسببه أساسا صراع الإنسان مع ذاته من أجل بلوغ الحقيقة الوجودية للكون و الخلق ، إذن هو صراع يحدث داخل الإنسان و خوف يحدث في ذاته يوّلده الشك " و ليس رسالة و دعوة نبي ، بعد ختم النبوّة طبعا " و ينهيه الإيمان كعامل أساسي لتحقيق جوهر الإنعتاق .